الوخز بالإبر … علاج فعال منذ القدم

” جسم الإنسان شبكة تفاعلية “ د. خالد سرحان

الوخز بالإبر – الإبر الصينية –

يعتبر الوخز باالإبر أو ما يسمى أحيانا ب الإبر الصينية أو بالإنجليزية (acupuncture) واحدًا من أقدم نظم العلاج والأكثر استخداما في العالم، وقد تم العثور على السجل الأول من الوخز بالإبر في كتاب “الإمبراطور الأصفر للطب الداخلي” (هوانغ دي ني جينغ) قبل حوالي ٤٧٠٠ سنة.

أساسيات العلاج بالوخز بالإبر

يعتمد العلاج بالوخز بالإبر على أساسيات الطب الصيني مثل نظرية الطاقة (شي)، حيث تجرى قُوَى الجسم الحَيَويّة التي تعرف في اللغة الصينية ب (شي) في مسارات أو ممرات معينة في جميع أنحاء الجسم، ويوجد هناك حوالي ٢٠ مسارا في الجسم، ١٢ رئيسية تتبع معظمها أعضاء الجسم الأساسية، و ٨ مسارات ثانوية، وترتبط هذه المسارات فيما بينها بممرات فرعيّة، وتظهر كشبكة كبيرة تصل بين أعضاء الجسم وأنسجته المختلفة، وتتدفق (شي) باستمرار صعودا وهبوطا في هذه الممرات، وفي مواقع محددة تُلامس فيها هذه المسارات سطح الجلد و تسمى هذه ب”نقاط الوخز” يُمكن من خلالها التحكم في وظائف الجسم، واستخدامها في العلاج عن طريق الوخز بالإبر.

في الطب الصيني التقليدي يمكن أن تنشأ الأمراض أو يصاب الجسم بخلل ما مثل الألم عندما يحدث انسدادا في هذه المسارات، أو عندما تنقص (شي) أو تزداد ،وهذا يسبب اختلال في التوازن في نظام الين واليانغ أو العناصر الخمسة، وبواسطة الوخز بالإبر يتم علاج الأمراض في الطب الصيني التقليدي عبر إعادة الدوران الطبيعي ل “تشي” في المسارات واستعادة التوازن بين الين واليانغ والعناصر الخمسة.

كيف يعمل؟

ُقدِّمت عدة نظريات في الطب الحديث حول كيفية عمل الوخز بالإبر-أكوبنكتور-، إحدى هذه النظريات تقترح أنه في حالة علاج مشاكل الآلام بالوخز بالإبر فإن نبضات الألم الناشئة يتم منعها عبر نقاط الوخز التي تعمل كـ “بوابات” تمنع إشارات الألم من الوصول إلى المخ أو الحبل الشوكي حيث أن غالبية نقاط الوخز بالإبر إما أن تكوت متصلة بالأنسجة العصبية أو تقع بالقرب منها، وهذا يشير إلى أن الوخز بالإبر يتحكّم بالجهاز العصبي. وتشير نظرية أخرى إلى أن الوخز بالإبر يحفّز الجسم لإنتاج مواد تُسمّى الأندورفينات، والتي تعمل على تقليل الألم، وقد وجدت دراسات أخرى أنّ مواد مخدرة للآلام مثل الأوبويدات قد تطلق في الجسم أثناء العلاج بالوخز بالإبر.

أما بالنسبة للمشاكل الصحية الأخرى مثل السمنة فقد أثبتت الأبحاث تأثير بالوخز بالإبر المضاعف في علاج السمنة ، وذلك يحدث من خلال إعادة التوازن الهرموني في الجسم، وزيادة معدل عمليّات الأيض المسؤولة عن التمثيل الغذائي (حرق الدهون)، ونتشيط الأعضاء المسؤولة عن الهضم والإخراج و إزالة السموم من الجسم مثل المعدة والأمعاء والكبد والكليتين، وإزالة التعب والانهاك من عضلات الجسم مما يزيد من الطاقة الحركيّة، والتأثير على مراكز الجوع والشبع في المخ.

وأثبتت دراسة يابانيّة أن العلاج بالوخز بالإبر  يعمل على زيادة هرمون السيروتينين في الدماغ مما يساهم في علاج المشاكل النفسية مثل التوتر العصبي والاكتئاب.

هل يؤلم؟

وخلافا لإبر الحقن المؤلمة أو إبر سحب الدم السميكة فإن إبر الوخز مرنة ورقيقة، ويصل سمكها أحيانًا مثل سمك الشعرة، وهي مصممة للوخز الخفيف بدون ألم، في حين أن كل شخص يمر بتجربة الوخز بالإبر بشكل مختلف عن الآخر، حيث يشعر البعض عند الوخز بألم خفيف لا يكاد أن يُذكر، والبعض الآخر فيشعرون بالاسترخاء والراحة النفسية.

هل هو آمن؟

عادة العلاج بالوخز بالإبر – الابر الصينية- آمن للغاية ولا يسبب أضرارا للجسم عند استعمالها بالشكل الصحيح، ومع ذلك، هناك بعض الشروط يجب أن تخبرنا عنها قبل أن تخضع للعلاج، فمثلا إذا كان لديك جهاز تنظيم ضربات القلب، وإذا كان لديك ميل للنزيف بسبب الأدوية أو مرض ما.

ما هي الحالات التي تُعالَج به؟

اعترفت منظمة الصحة العالمية بقدرة الوخز بالإبر على علاج ما يقرب من أربعين نوعا من الأمراض الشائعة، بما في ذلك متلازمات الآلام (الألم العصبي، وآلام الرقبة والكتف، آلام المفاصل مثل التهاب المرفق المضربي أو ألم الركبة)؛ والاضطرابات العصبية والنفسية (مثل الاكتئاب والقلق والأرق والدوخة)؛ و اضطرابات الدورة الدموية (مثل ارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية وتصلب الشرايين وفقر الدم)؛ و الإدمان على النيكوتين والمخدرات؛ واضطرابات في الجهاز التنفسي (مثل انتفاخ الرئة والتهاب الجيوب الأنفية، والحساسية والتهاب الشعب الهوائية)؛ و اضطرابات الجهاز الهضمي (مثل الحساسية الغذائية، والقرحة، والإسهال المزمن، والإمساك، وعسر الهضم، وضعف الأمعاء، وفقدان الشهية والتهاب المعدة).

وأثبتت الدراسات العلمية حديثا أن الوخز بالإبر – الابر الصينية – تساهم بفعالية في علاج السمنة والعقم والصداع، وتشنجات العضلات، والفيبروميالغيا، والتهاب المفاصل، وآلام أسفل الظهر، ومتلازمة النفق الرسغي، والربو، ومشاكل جلدية مثل حب الشباب.

وقد أظهرت دراسات أخرى أن الوخز بالإبر يساعد في إعادة تأهيل مرضى السكتة الدماغية.

ومازالت تُجرى الأبحاث بكم هائل في العالم وتثبت كفاءة العلاج بالوخز بالإبر للأمراض المتعددة.

ماذا يجب أن أتوقع في زيارتي الأولى؟

عند أول زيارة يتم إجراء استبيان مفصّل عن التاريخ المرضي وحالة الجسم الصحية، وقد يُطلب منك إجابة الأسئلة التي تظهر غير مهمة ولكن هي في الواقع مهمّة وحيويّة (يأخذ هنا الطب الصيني التقليدي نهجا أكثر عمقا وشمولية من الطب الغربي)، وبعد استعراض الحالة الصحيّة الخاصة بك نبدأ بالتشخيص عن طريق فحص اللسان والنبض التي تعتبر من أدوات التشخيص الرئيسيّة في الطب الصيني التقليدي.

ومن خلال عملية التشخيص يمكننا معرفة الأسباب التي أدت إلى حدوث المرض أو المشكلة الصحية حسب مبادئ الطبّ الصيني التقليدي، وتبعا للحالة يتم اختيار نقاط الوخز المناسبة لاستخدامها في العلاج بالوخز بالإبر.

ولتعزيز التأثير العلاجي الوخز بالإبر في حالات معينة يستخدم جهاز التحفيز الكهربائي، وفي حالات أخرى قد تستخدم الحرارة الناتجة عن حرق نوع من الأعشاب يشبه المريمية يسمى ” الموكسا ” جنبا إلى جنب مع العلاج بالوخز بالإبر.

تستغرق مدة الجلسة العلاجية الواحدة عادة ما بين ٣٠ إلى ٦٠ دقيقة، و قد يتطلب استكمال العلاج عدة جلسات بالوخز بالإبر تبعا للحالة المرضية والمشكلة الصحية.

وفي النهاية احرص على أن تسألنا إذا كانت لديك أي استفسارات أخرى حول أساليب أو أنواع العلاج.

عن د. خالد جميل سرحان

د. خالد جميل سرحان درس الطب البشري في جامعة فيينا للطب، وأكمل تخصصه في طب الأسرة.

شاهد أيضاً

الوخز بالإبر لعلاج الفيبروميالاجيا

  ما هي الفيبروميالجيا؟ الفيبروميالجيا (الألم العضلي الليفي المتفشي) هي حالة مؤلمة من غير سبب …